الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَالرَّجُلُ الذي قَدَّمَ هَدِيَّةً لِآخَرَ، وَقَبَضَهَا مِنْهُ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَعُودَ في شَيْءٍ مِمَّا أَعْطَاهُ، لِأَنَّ الهَدِيَّةَ أَو الهِبَةَ بَعْدَ قَبْضِهَا تُصْبِحُ مِنَ العُقُودِ اللَّازِمَةِ، وَقَدْ وَرَدَ الوَعِيدُ الشَّدِيدُ في العَوْدَةِ إِلَيْهَا، ففي الحديث الذي أَخْرَجَهُ الإمام البخاري رَحِمَهُ اللهُ تعالى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «العَائِدُ في هِبَتِهِ كَالعَائِدِ في قَيْئِهِ». قَالَ قَتَادَةُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: وَلَا نَعْلَمُ القَيْءَ إِلَّا حَرَامَاً.
وَكذَا الحَالُ في الصَّدَقَةِ النَّافِلَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا أَيْضَاً، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ». أخرجه أبو داود.
فَعَلَى الوَاهِبِ، أَو المُهْدِي، أَو المُتَصَدِّقِ أَنْ يُغَالِبَ شُحَّ نَفْسِهِ، وَيَفِي بِوَعْدِهِ وَلَا يَنْكُثَ ذَلِكَ، فَإِنَّ أَقَلَّ مَا يُقَالُ في هَذِهِ المَسْأَلَةِ أَنَّهَا إِخْلَافٌ للوَعْدِ الذي هُوَ مِنْ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ، وَاللهُ تعالى يَقُولُ: ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾. وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ﴾.
أَمَّا الشِّقُّ الثَّانِي مِنَ السُّؤَالِ: هَلْ وَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ المَالَ؟
الجواب: لَيْسَ وَاجِبَاً عَلَيْكَ أَنْ تَرُدَّ إِلَيْهِ المَالِ، وَلَكِنْ لَا حَرَجَ مِنْ رَدِّهِ، بَلْ هُوَ الأَوْلَى، لِأَنَّكَ بِذَلِكَ تَتَعَفَّفُ عَنِ المِنَّةِ وَتُرِيهِ عِزَّةِ نَفْسِكَ، وَعَدَمَ رَغْبَتِكَ في عَطَائِهِ. هذا، والله تعالى أعلم.
---
حرر بتاريخ: 20.03.2007
المصدر:
https://www.naasan.net/index.php?page=YWR2aXNvcnk=&op=ZGlzcGxheV9hZHZpc29yeV9kZXRhaWxzX3U=&advisory_id=MjYy&lan=YXI=