بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
شرعًا لا يجوز سبّ الناس ولا اغتيابهم، سواء كانوا مشهورين أو غير مشهورين، ظالمين أو مظلومين؛ لأن السبّ من الجهر بالسوء المنهيّ عنه، قال الله تعالى:
{لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [النساء: 148].
ومعنى الآية: أن من ظُلِم يجوز له أن يذكر ما وقع عليه من الظلم بقدر الحاجة لرفع الظلم أو المطالبة بالحق، وليس له أن يتخذ ذلك مجالًا للسباب والغيبة والتشهير، فالغرض من الإباحة هو رفع المظلمة لا إشاعة الفاحشة أو الانتقاص من الناس.
أما ما اعتاده بعض الناس من الجلوس في المجالس للطعن في الحكام أو المشاهير أو العصاة أو غيرهم، فذلك من كبائر الذنوب، لأنه من الغيبة المحرمة التي قال الله فيها:
{وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات: 12].
وقد نقل الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله في إحياء علوم الدين (3/153) ما يدل على عظمة هذا الأمر، حيث قال:
"وقال عوف: دخلتُ على ابن سيرين، فتناولتُ عنده الحجاج، فقال: إن الله حكم عدل، ينتقم للحجاج ممن اغتابه كما ينتقم من الحجاج لمن ظلمه، وإنك إذا لقيتَ الله تعالى غدًا، كان أصغر ذنب أصبته أشدّ عليك من أعظم ذنب أصابه الحجاج."
وهذا يدلّ على ورع السلف الصالح، وأنهم كانوا يرون السكوت عن أعراض الناس عبادة، ولو كان المقول فيه ظالمًا أو فاسقًا، لأن الله يتولى أمره، والعبد مأمور بإصلاح نفسه ولسانه.
والغيبة لا تقتصر على الكلام، بل تكون بالإشارة، أو بالكتابة، أو بالتعريض، قال تعالى:
{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}،
أي من يعيب الناس بالإشارة أو بالكلام.
بل قال بعض العلماء إن التعريض أضرّ من التصريح لأنه يخفي المقصود فيجرح القلب دون أن يَشعر المغتاب. فمن قال مثلًا “أنا لا أفعل كذا” يقصد به الطعن في غيره فقد اغتابه بالتعريض.
والواجب على من وقع في الغيبة أن يتوب إلى الله، ويستسمح من اغتابه إن أمكن، فإن لم يستطع دعا له واستغفر حتى يظن أنه قد أدى حقه.