وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
سؤالك عميق جدًا، ويكشف عن قلبٍ حساسٍ مخلصٍ لله، يسأل: هل حبي لله "مشروط"؟ وهل هذا ينقص من المحبة؟ وهذا من أنقى أنواع التفكير الإيماني.
دعني أوضح لك الأمر بترتيب بسيط، وبما قاله العلماء وأهل السلوك والفقه:
أولًا: هل نحب الله لذاته؟ أم لنعمه؟ أم لخوفنا منه؟
الجواب: كل هذه الأنواع صحيحة ومطلوبة، ولا تناقض بينها.
قال العلماء: المحبة الكاملة لله تتضمن ثلاثة أشياء:
1. محبة الله لذاته: لأنه جميل، عظيم، رحيم، لا نحب أحدًا مثله، ولو لم يعطنا شيئًا.
2. محبته لأفعاله: لأنه المنعم، الخالق، المغيث، الرازق.
3. محبته طمعًا في جنته وخوفًا من ناره: وهذا مما أقره الله في كتابه.
قال الله تعالى: "يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا"
[السجدة: 16]
فمن عبد الله خوفًا فقط فهو على مرتبة العابدين.
ومن عبده طمعًا فقط فهو على مرتبة الطالبين.
ومن عبده حبًا له لذاته فهو على مرتبة المحبين المخلَصين.
وأكمل الناس: من جمعها كلها.
ثانيًا: هل إذا أحببت الله لأنه ينقذني من النار فهذا نقص في محبتي؟
لا. هذا من كمال التوحيد والعبودية.
بل حتى الأنبياء دعوا ربهم خوفًا وطمعًا.
النبي ﷺ كان يقول في دعائه:
"اللهم إني أسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عملٍ يقربني إلى حبك."
فأنت تطلب الجنة لأنك تحب أن تكون مع الله.
وتخاف النار لأنك لا تريد أن تُطرد من رحمته.
فهذا ليس محبة مشروطة، بل محبة صادقة تشتاق للرضا وتخشى البُعد.
ثالثًا: ما الفرق بين المحبة لله لذاته والمحبة لثوابه؟
المحبة معناها هل هي ناقصة؟
محبة لله لذاته لأنك تراه عظيمًا، جميلًا، أهلًا للعبادة، ولو لم يعطك شيئًا أكمل المحبة، مرتبة الأنبياء والصدّيقين
محبة لله لنعمه لأنه رزقك، وهداك، وأنعم عليك صحيحة ومشروعة
محبة لله لأجل الجنة أو النجاة من النار لأنك تريده، وتخاف عذابه صحيحة، بل فطرية، ولا تناقض
قال ابن القيم:
"عبودية المحبة لا تُنافي أن يُحب الله لما يرجوه من جنته، أو ما يخافه من ناره؛ بل هذا من تمام العبودية."
ماذا تفعل إذًا؟
استمر في حبك لله، واعبده:
حبًا لجماله وكماله.
شكرًا لنعمه عليك.
خوفًا من عذابه.
رجاءً في رحمته.
وكلها عبادات قلبية عظيمة، وكلما زدت في معرفته، تعلّقت به لذاته أكثر.
خلاصة الجواب:
نعم، نحب الله لذاته، وهذا أكمل الحب.
ونعبده رجاءً وخوفًا، وهذا لا ينقص المحبة، بل هو من حقيقتها.
حبك لله حتى وأنت تفكر بهذه الأسئلة هو علامة صدق ومحبة عظيمة.
فاستمر، وتذكر: "إن الله يحب من عباده أن يحبوه، وأن يسألوه، وأن يخافوه، وأن يرجوه."