بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ينبغي أن يُعلم أن المعصية لا تُقابل لا بالنذر ولا بالأيمان، وإنما الطريق الشرعي في ترك المعصية هو العزم الصادق على التوبة والإقلاع عن الذنب.
فمن عزم على الترك، وأعانه الله تعالى على الثبات، فليحمد الله على فضله وهدايته.
أما إن زلَّت به القدم فعاد إلى المعصية، ولم يكن قصده الرجوع إليها، ثم تاب مرة أخرى، فباب التوبة مفتوح له ما دام صادقًا في كل مرة؛ فمن تاب تاب الله عليه، ولو كرر الذنب ثم تاب منه مرارًا.
لكن شرط قبول التوبة أن تكون توبة نصوحًا، أي أن يعزم التائب في حينها على ألا يعود إلى الذنب أبدًا، فإن عاد بعد ذلك لغلبة الهوى، فليجدد التوبة بلا يأس ولا قنوط.
وأما النذر في هذا السياق — أي أن ينذر الإنسان نذرًا ليمنع نفسه من المعصية — فهو من نوع نذر اللَّجاج، وهو الذي يُقصد به المنع أو الحث أو التأكيد، لا القربة في ذاته.
وقد نص العلماء على أن هذا النذر يأخذ حكم اليمين؛ لأن المقصود منه ليس التقرب بالنذر نفسه، وإنما إلزام النفس بالمنع أو الفعل.
قال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (6/232):
"والمراد به ما خرج من مخرج اليمين بأن يقصد الناذر منع نفسه أو غيرها من شيء، أو يحث عليه، أو يحقق خبرًا، أو يغضب بالتزام قربة، كأن يقول: «إن كلمت فلانًا»، أو «إن لم أكلمه»، أو «إن لم يكن الأمر كما قلته»، أو «فلله علي»، أو فعلي كالعِتق أو الصوم أو الصدقة أو الحج أو الصلاة.
وفيه شرط وجود المعلق عليه، أي ككفارة اليمين، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «كفارة النذر ككفارة اليمين» (رواه مسلم).
ولا كفارة في نذر التبرر قط، فتعين أن يكون المراد به اللجاج.
وروي ذلك عن عمر وعائشة وابن عباس وابن عمر وحفصة وأم سلمة - رضي الله عنهم -.
وفي قول، يجب على الناذر الالتزام بما التزم، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من نذر وسمى فعليه ما سمى»، ولأنه التزم عبادة عند مقابلة شرط، فتلزمه عند وجوده."
وقال ابن قاسم في فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب (ص: 322):
"نذر اللَّجَّاج بفتح أوله، وهو التمادي في الخصومة. والمراد بهذا النذر أن يخرج مخرج اليمين بأن يقصد الناذر منع نفسه عن شيء، ولا يقصد القربة، وفيه كفارة يمين أو ما التزمه بالنذر."
والله أعلم