الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَالأَصْلُ في مَسْكَنِ العِدَّةِ للمَرْأَةِ المُطَلَّقَةِ، أَو المُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا هُوَ مسْكَنُ الزَّوْجِيَّةِ، وَذَلِكَ لِعُمُومِ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾. فَالوَاجِبُ عَلَى المَرْأَةِ المُطَلَّقَةِ، أَو المُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، أَنْ تَقْضِيَ فَتْرَةَ عِدَّتِهَا في بَيْتِ الزَّوْجِيَّةِ، وَهَذَا حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللهِ، وَتَعَدِّيهِ ظُلْمٌ للنَّفْسِ، إِنْ كَانَ مِنَ الزَّوْجِ المُطَلِّقِ، أَو المَرْأَةِ المُطَلَّقَةِ، أَو المُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا.
وَقَدْ أَخْرَجَ الإمام أحمد، عَنْ فُرَيْعَةَ بِنْتِ مَالِكٍ قَالَتْ: خَرَجَ زَوْجِي فِي طَلَبِ أَعْلَاجٍ لَهُ، فَأَدْرَكَهُمْ بِطَرَفِ الْقَدُومِ فَقَتَلُوهُ، فَأَتَانِي نَعْيُهُ وَأَنَا فِي دَارٍ شَاسِعَةٍ مِنْ دُورِ أَهْلِي.
فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقُلْتُ: إِنَّ نَعْيَ زَوْجِي أَتَانِي فِي دَارٍ شَاسِعَةٍ مِنْ دُورِ أَهْلِي، وَلَمْ يَدَعْ لِي نَفَقَةً، وَلَا مَالَ لِوَرَثَتِهِ، وَلَيْسَ المَسْكَنُ لَهُ، فَلَوْ تَحَوَّلْتُ إِلَى أَهْلِي وَأَخْوَالِي لَكَانَ أَرْفَقَ بِي فِي بَعْضِ شَأْنِي.
قَالَ: «تَحَوَّلِي».
فَلَمَّا خَرَجْتُ إِلَى المَسْجِدِ ـ أَوْ إِلَى الْحُجْرَةِ ـ دَعَانِي ـ أَوْ أَمَرَ بِي فَدُعِيتُ ـ فقَالَ: «امْكُثِي فِي بَيْتِكِ الَّذِي أَتَاكِ فِيهِ نَعْيُ زَوْجِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ».
قَالَتْ: فَاعْتَدَدْتُ فِيهِ.
وبناء عليه:
يَجِبُ عَلَى المَرْأَةِ المُطَلَّقَةِ أَو المُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَنْ تَقْضِيَ عِدَّتَهَا في بَيْتِ الزَّوْجِيَّةِ، وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ، وَلَا أَنْ تُخْرَجَ إِلَّا إِنْ أَتَتْ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ.
أَمَّا إِذَا كَانَتْ تَخَافُ عَلَى نَفْسِها في بَيْتِ الزَّوْجِيَّةِ، أَو لَا تَجِدُ مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهَا في غُرْبَتِهَا، أَو لَا يُوجَدُ أَحَدٌ يَقُومُ بِشُؤُونِهَا، أَو لَا تَجِدُ مَحْرَمَاً تَمْكُثُ مَعَهُ، فَإِنَّهُ في هَذِهِ الحَالَةِ لَا حَرَجَ عَلَيْهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِ الزَّوْجِيَّةِ، وَتَرْجِعُ إلى وَطَنِهَا تَقْضِي فَتْرَةَ العِدَّةِ عِنْدَ أَهْلِهَا.
وَعِدَّتُهَا مِنْ سَاعَةِ الوَفَاةِ مَحْسُوبَةٌ، وَلَا تَقْضِي الوَقْتَ الذي ذَهَبَ مِنْهَا في طَرِيقِ العَوْدَةِ إلى وَطَنِهَا. هذا، والله تعالى أعلم.
---
حرر بتاريخ: 20.03.2007
المصدر:
https://www.naasan.net/index.php?page=YWR2aXNvcnk=&op=ZGlzcGxheV9hZHZpc29yeV9kZXRhaWxzX3U=&advisory_id=MjA5&lan=YXI=