الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَلَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَحُجَّ بِزَوْجَتِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنَ النَّفَقَةِ الوَاجِبَةِ، غَيْرَ أَنَّ إِحْجَاجَهَا مِنْ حُسْنِ العِشْرَةِ، وَسَبَبٌ لِدَوَامِ الأُلْفَةِ، وَنَوْعٌ مِنَ التَّعَاوُنِ عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى. وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَحُجُّ بِنِسَائِهِ وَيُعْمِرُهُنَّ.
وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي». أخرجه الترمذي.
فَالتَّأَسِّي بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدُلُّ عَلَى الخَيْرِيَّةِ وَكَمَالِ المُتَابَعَةِ، فَإِذَا لَمْ يَقُمِ الزَّوْجُ بِذَلِكَ فَإِنَّ المَرْأَةَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مُسْتَطِيعَةً أَو لَا، فَإِنْ كَانَتْ مُسْتَطِيعَةً فَيَجِبُ عَلَيْهَا الحَجُّ، وَمِنْ شُرُوطِ الاسْتِطَاعَةِ وُجُودُ المَحْرَمِ، وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا الحَجُّ.
فَإِنِ اسْتَطَاعَتْ مَادِّيَّاً، وَوُجِدَ المَحْرَمُ فَلَا يَجُوزُ للزَّوْجِ مَنْعُهَا مِنْ حَجِّ الفَرْضِ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلَاً﴾.
أَمَّا حَجُّ النَّافِلَةِ وَعُمْرَةُ النَّافِلَةِ فَقَدِ اتَّفَقَ الفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَحُجَّ أَو تَعْتَمِرَ للتَّطَوُّعِ إِلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ، لِأَنَّ ذِمَّتَهَا قَدْ بَرِئَتْ مِنْ حَقِّ اللهِ تعالى، وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِحَقِّ الزَّوْجِ فَلَا تَخْرُجُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَطَاعَتُهَا لِزَوْجِهَا في هَذِهِ الحَالَةِ آجَرُ لَهَا عِنْدَ اللهِ تعالى مِنَ النَّافِلَةِ التي تُرِيدُ فِعْلَهَا، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ، لِأَنَّ فَرِيضَةَ الحَجِّ عِنْدَهُمْ عَلَى الفَوْرِ، وَتَذْهَبُ بِدُونِ إِذْنِهِ إِنْ لَمْ يَتَضَرَّرِ الزَّوْجُ بِذَهَابِهَا، وَإِلَّا فَلَا.
وَعِنْدَ السَّادَةِ الشَّافِعِيَّةِ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ حَجِّ الفَرِيضَةِ، لِأَنَّ حَقَّهُ عَلَى الفَوْرِ، وَفَرِيضَةُ الحَجِّ عِنْدَهُمْ عَلَى التَّرَاخِي.
وبناء على ذلك:
أولاً: لَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَحُجَّ بِزَوْجَتِهِ.
ثانياً: مِنْ حُسْنِ العِشْرَةِ وَالخَيْرِيَّةِ أَنْ يَحُجَّ بِهَا إِنْ كَانَ مُقْتَدِرَاً.
ثالثاً: أَنْ لَا يَمْنَعَهَا مِنَ الحَجِّ إِذَا كَانَتْ مُسْتَطِيعَةً مَعَ وُجُودِ مَحْرَمٍ لَهَا، إِذَا كَانَ لَا يَتَضَرَّرُ بِغِيَابِهَا. هذا، والله تعالى أعلم.
---
حرر بتاريخ: 13.03.2007
المصدر:
https://www.naasan.net/index.php?page=YWR2aXNvcnk=&op=ZGlzcGxheV9hZHZpc29yeV9kZXRhaWxzX3U=&advisory_id=MTM3&lan=YXI=