الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
اتَّفَقَ العُلَمَاءُ عَلَى وُصُولِ ثَوَابِ الدُّعَاءِ وَالصَّدَقَةِ للمَيْتِ، لِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ».
وَقَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ: للإِنْسَانِ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ، صَلَاةً أَو صَوْمَاً أَو صَدَقَةً أَو تِلَاوَةَ قُرْآنٍ، بِأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ ثَوَابَ مَا أَفْعَلُ لِفُلَانٍ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، أَحَدُهُمَا عَنْ نَفْسِهِ، وَالآخَرُ عَنْ أُمَّتِهِ، مِمَّنْ أَقَرَّ بِوَحْدَانِيَّةِ اللهِ تعالى، وَشَـهِدَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالبَلَاغِ. رواه ابن ماجه.
فَإِنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ تَضْحِيَةَ إِحْدَى الشَّاتَيْنِ لَأُمَّتِهِ.
وَرَوَى الدارقطني «مَنْ مَرَّ عَلَى المَقَابِرِ وَقَرَأَ: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، إِحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً، ثُمَّ وَهَبَ أَجْرَهَا للأَمْوَاتِ، أُعْطِيَ مِنَ الأَجْرِ بِعَدَدِ الأَمْوَاتِ».
وَرَوَى أَبُو داود: «اقْرَؤُوا عَلَى مَوْتَاكُم سُورَةَ يس».
وَأَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾. يُرَادُ بِهِ: إِلَّا إِذَا وَهَبَهُ لَهُ، أَو أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِنْ طَرِيقِ العَدْلِ، لِأَنَّ الَعْدَل أَنْ يَكُونَ مِنْ كَسْبِهِ، وَلَكِنْ لَـُه عَمَلٌ غَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ الفَضْلِ، وَيُؤَكِّدُ هَذَا قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾.
وَأَمَّا حَدِيثُ «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ». فَلَا يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ عَمَلِ غَيْرِهِ لَهُ، لِأَنَّهُ كَمَا قُلْنَا ذَاكَ مِنْ بَابِ العَدْلِ، وَهَذَا مِنْ بَابِ الفَضْلِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ «لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ». فَهُوَ في حَقِّ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، لَا في حَقِّ وُصُولِ الثَّوَابِ، فَمَنْ صَامَ عَنْ أَحَدٍ، أَو صَلَّى عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا تَبْرَأُ ذِمَّةُ تَارِكِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، أَمَّا وُصُولُ الثَّوَابِ فَإِنَّهُ وَاصِلٌ إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى، لِأَنَّهُ دُعَاءٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنْ يُوصِلَ الثَّوَابَ إِلَيْهِمْ، وَهُوَ القَائِلُ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾. وَاللُه تعالى أَكْرَمُ مَسْؤُولٍ. هذا، والله تعالى أعلم.
---
حرر بتاريخ: 13.03.2007
المصدر:
https://www.naasan.net/index.php?page=YWR2aXNvcnk=&op=ZGlzcGxheV9hZHZpc29yeV9kZXRhaWxzX3U=&advisory_id=NzM=&lan=YXI=