الحمد لله وصلى الله وسلّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
خواطر العجب والرياء ونحوها إذا هجمت على القلب لا تضر بشرط أن لا تسترسل معها.. ومن الطبيعي أن تهجم على العبد مثل هذه الأشياء لكن لا بد له من المجاهدة في دفعها كما يقول المربّون العارفون، وعدم الرضى بها فهي من نزغات النفس والشيطان نسأل الله السلامة.
يقول أشياخنا جزاهم الله عنا كل خير: (العجب يتولد من رؤية النفس وذكرها ،ورؤية الخلق وذكرهم ).
وشر العجب اكبر من شر الكبر، العجب لا يكون إلا بالقلب وشره أكبر من شر الكبر. أيّ عمل يصدر منك لا بد أن تجعل نيتك فيه لوجه الله تعالى، وإلا يكون هباءً منثوراً.كلما جاء خاطر العجب على قلبك لابد أن تقول استغفر الله وأتوب إليه...بهذا ترجع إلى الله تعالى...وإلا لاتتخلص منه...العجب هو نوع من أنواع الأنانية...ولا يتخلص الإنسان من الأنانية مادام أنه لم يرجع إلى الله تعالى.
يقول شيخنا سيدي أحمد فتح الله جامي رحمه الله تعالى: اذا هجمت عليكم الانانية تفكروا في اصلكم. من ماء مهين ، بهذا يطفأ العجب في نفس الانسان وفي المجرد المختصر من تفسير البيضاوي لفضيلة شيخنا رحمه الله تعالى عنداﻵية 60 من سورة المؤمنون عند تفسير قوله تعالى :
(والذين يؤتون ماآتوا ) يعطون ما أعطوه من الصدقان (وقلوبهم وجلة) خائفة أن ﻻيقبل منهم، وأن ﻻيقع على الوجه اللائق فيؤاخذوا به (أنهم إلى ربهم راجعون)..وهو يعلم مايخفى عليهم..
قال رحمه الله تعالى : هذا يدل على اﻹخلاص في العبادة والصدقة . ﻻبد للمؤمن أن يطهر قلبه من الوساوس،ومايغرس في قلبه من العجب والكبر والفخر مما هو خلاف اﻹخلاص ، وإذا لم يوجد اﻹخلاص في العمل فإنه ﻻيقبل. انتهى.
(الخوف من الله، يوصلك إلى الله، والكبر والعجب في نفسك يقطعك عن الله، واحتقار الناس في نفسك ،مرض عظيم لايداوى )
و قال حاتم الأصم رحمه الله تعالى :
لا أدري أيهما أشد على الناس اتقاء العجب أو الرياء ، العجب داخل فيك!
والرياء يدخل عليك! العجب أشد عليك من الرياء! ومثلهما أن يكون معك في البيت كلب عقور وكلب آخر خارج البيت؟
فأيهما أشد عليك الذي معك أو الخارج ؟ فالداخل العجب والخارج الرياء. حلية الأولياء (8/76)
وإن سألت عن العلاج لهاتين الآفتين
فخذ هذه الشذرة من كلام سيدي أبي علي الدقاق رحمه الله تعالى رحمة واسعة
إذ قال : الإخلاص التوقي من ملاحظة الخلق، والصدق التوقي من ملاحظة النفس، فالمخلص لا رياء له، والصادق لا عجب له. من بستان العارفين للنووي رحمه الله تعالى.
وقال أحدهم جامعا للدواء بهذه الجملة المختصرة:
صحح عملك بالإخلاص، وإخلاصك بالصدق، وصدقك بالتبرؤ من الحول والقوة.. غيث المواهب لابن عباد رحمه الله تعالى.
لذلك قالوا رحمهم الله تعالى: الإخلاص روح الأعمال وهو أن تعيش مع الله تعالى بلا ناس، بنفي خواطرهم وعدم التعلق بهم لا مدحا ولا ذما.
وهذا الجوهر لا يصح حقيقة إلا بالصدق وهو العيش مع الله تعالى بلا نفس، وهو من أصعب الأمور إلا إذا تعلقت بالحليم الغفور وجاهدت وصبرت وتبرأت من حولك المتحول إلى حوله وقوته، وعلم الله تعالى ذلك منك حقا، عندئذ تتلاشى الحظوظ، وتمحى العلائق، وتشرق الحقائق، فيمحوك الحق به له، وتغلب أوصافه الجلية أوصافك الدنية، فيأخذك منك إليه، وعندها تفهم حقيقة ( لا إله إلا الله) بأعلى مراتبها.
يقول سيدي ابن عطاء في حكمه : "أنت إلى حلمه إذا أطعته أحوج منك إلى حلمه إذا عصيته "
في الطاعة قد تدخل صفات العجب والتكبر أو كما ينبه سيدنا حفظه الله تعالى أن يتملك العبد فضائل الله فينسب لنفسه ماليس له ولا يخرجها من البين، أما في المعصية فهو في حال من الانكسار و التذلل والندم لمولاه جل في علاه.
نسأل الله أن يطهر قلوبنا من النفاق وأعمالنا من الرياء وألسنتنا من الكذب وأعيننا من الخيانة إنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.