بسم الله، والحمد لله، وصلى الله تعالى وسلم على سيدنا محمد ومن والاه؛ وبعد:
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛
في هذا بحث خلاصته ما ذكرته فيه من قولي:
انطلاقًا مما تحصل عندي من بحث: يمكن أن نقول للسائل الذي تتضرر دراسته بسبب حضور الجمعة أنه يحاول أن يحضرها مرة بعد مرة حتى لا ينقطع منها ثلاث جمع متتالية؛ لأن ذلك هو المعتبر من الكبائر, ويستحضر هذا القول الذي أشار له ابن العربي والشوكاني فيأخذ به ترخصًا، وقد نص المالكية أن الخوف على المال من الضياع موجب لترك الجمعة والجماعة ولا شك أن الضرر اللاحق هذا السائل في دراسته أشد عليه من ضياع بعض ماله.
* وأما البحث المشار إليه فهو ملخصًا كالتالي:
جاءفي صحيح البخاري:
باب مِنْ أَيْنَ تُؤْتَى الْجُمُعَةُ وَعَلَى مَنْ تَجِبُ
لِقَوْلِ اللَّهِ - تعالى - {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9]. وَقَالَ عَطَاءٌ إِذَا كُنْتَ فِى قَرْيَةٍ جَامِعَةٍ، فَنُودِىَ بِالصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَحَقٌّ عَلَيْكَ أَنْ تَشْهَدَهَا، سَمِعْتَ النِّدَاءَ أَوْ لَمْ تَسْمَعْهُ .
الجمعة على من سمع النداء" وذكر عبد الرزاق عن داود بن قيس قال سئل عمرو بن شعيب وأنا أسمع من أين تؤتى الجمعة فقال من مدى الصوت, وراجع التمهيد
.
ورواه أبو داود بإسناد ضعيف، لكن ذكر له البيهقي شاهدًا بإسناد جيد، والمراد به: من سمع نداء بلد الجمعة، فمن كان في قرية لا يلزم أهلها إقامة الجمعة لزمته إن كان بحيث يسمع النداء من صيت على الأرض، من طرف قريته الذي يلي بلد الجمعة مع اعتدال السمع، وهدوّ الأصوات، وسكون الرياح، وليس المراد من الحديث أن الوجوب متعلق بنفس السماع، وإلاّ لسقطت عن الأصم، وإنما هو متعلق بمحل السماع. وقال المالكية على من بينه وبين المنار ثلاثة أميال، أما من هو في البلد، فتجب عليه، ولو كان من المنار على ستة أميال. رواه عليّ عن مالك. راجع القسطلاني على البخاري2\172
وقال ابن العربي: الوجوب على من سمع النداء عند الشافعي، قال: وتعليقه السعي على سماع النداء يسقطه عمن كان في المصر الكبير إذا لم يسمعه، راجع عمدة القاري شرح صحيح البخاري 6\198. وَقَدْ حَكَى الْحَافِظُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُمْ يُوجِبُونَ الْجُمُعَةَ عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا النِّدَاءَ. راجع عون المعبود شرح سنن أبي داود 3\271.
قال الشوكاني: ظاهر الحديث عدم وجوب الجمعة على من لم يسمع النداء، سواء كان في البلد الذي تقام فيه الجمعة أو في خارجه، وقد ادعى في البحر الإجماع على عدم اعتبار سماع النداء في موضعها، واستدل لذلك بقوله: إذا لم تعتبره الآية، وأنت تعلم أن الآية قد قيد الأمر بالسعي فيها بالنداء لما تقرر عند أئمة البيان من أن الشرط قيد لحكم الجزاء والنداء المذكور فيها يستوي فيه من في المصر الذي تقام فيه الجمعة ومن خارجه، نعم إن صح الإجماع كان هو الدليل على عدم اعتبار سماع النداء لمن في موضع إقامة الجمعة عند من قال بحجية الإجماع. وقد حكى العراقي في شرح الترمذي عن الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل أنهم يوجبون الجمعة على أهل المصر وإن لم يسمعوا النداء. مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 4\448.
ملاحظة :ما عزوه للمالكية هنا من التفرقة بين من كان خارج المصر فيشترط فيه أن يكون على ثلاثة أميال فأقل وإلا فلا تجب عليه الجمعة ,ومن كان بداخل المصر تجب عليه مطلقا هو الموجود في كتب الفروع عندهم وتبقى الملاحظة التي يجب أن ينتبه لها أن الأمصار في العهد القديم لم تكن متسعة اتساعا تلحق بسببه المشقة وأما اليوم فأصبح بعض المدن متسعا اتساعا يشق معه الوصول وإن كان بالمقابل تطورت الوسائل تطورا من شأنه أن يخفف المشقة اللاحقة بذلك.
والملاحظ هنا:أن هذا التحديد والتفريق بين البلد وغيره ليس منصوصا وإنما المنصوص هو اعتبار السماع من سمع النداء فليجب ولقوله صلى الله عليه وسلم لمن جاءه طالبا للترخص في التخلف عن الجماعة :أتسمع النداء قال نعم قال :فأجب" والجمعة والجماعة من باب واحد فدل الحديث بمفهومه أنه إذا كان لا يسمع النداء فلا يلزمه أن يجيب والظاهر من حال السائل أنه من أهل البلد لا من خارجه وهذا يدعم ما أشار له الشوكاني وابن العربي .
وما عزاه العراقي للشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُمْ يُوجِبُونَ الْجُمُعَةَ عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا النِّدَاءَ, مشعر بوجود الخلاف في المسألة فلا يسلم الإجماع الذي ادعاه صاحب البحر
وانطلاقا مما تقدم يمكن أن نقول للسائل الذي تتضرر دراسته بسبب حضور الجمعة أنه يحاول أن يحضرها مرة بعد مرة حتى لا ينقطع منها ثلاث جمع متتالية لأن ذلك هو المعتبر من الكبائر, ويستحضر هذا القول الذي أشار له ابن العربي والشوكاني فيأخذ به ترخصا وقد نص المالكية أن الخوف على المال من الضياع موجب لترك الجمعة والجماعة ولا شك أن الضرر اللاحق هذا السائل في دراسته أشد عليه من ضياع بعض ماله.
ومن نظر في الأعذار التي يذكر الفقهاء يجد أن كثيرا منها أخف من عذر هذا السائل وإليكم ما ذكره خليل بن إسحاق في مختصره فقال : وعذر تركها والجماعة شدة وحل ومطر أو جذام ومرض وتمريض وإسراف قريب ونحوه وَخَوْفٌ عَلَى مَالٍ أَوْ حَبْسٌ أَوْ ضَرْبٌ والأظهر والأصح أو حبس معسر وعري ورجاء عفو قود وأكل: كثوم كريح عاصفة بليل لا عرس أو عمى أو شهود عيد وإن أذن الإمام.
والله أعلم.
