الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَالمَلَائِكَةُ الكِرَامُ مَخْلُوقَاتٌ خَلَقَهُمُ اللهُ تعالى أَجْسَامَاً نُورَانِيَّةً لَطِيفَةً، وَقَدْ حَجَبَهُمْ عَنْ أَبْصَارِ البَشَرِ، فَلَا يَرَوْنَهُمْ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَطَلَبَ مِنَ المُؤْمِنِينَ الإِيمَانَ بِوُجُودِهِمْ عَنْ طَرِيقِ الخَبَرِ الصَّادِقِ مِنَ القُرْآنِ الكَرِيمِ، وَمِنَ السُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ، قَالَ تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْـمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ﴾.
وَالبَشَرُ لَا يَسْتَطِيعُونَ رُؤْيَةَ المَلَائِكَةِ على حَقِيقَتِهِم التي خَلَقَهُمُ اللهُ تعالى عَلَيْهَا، وَلَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ رَأَى مَلَكَاً على الصُّورَةِ الحَقِيقِيَّةِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَبِيَّاً، فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ قَوْلُهُ؛ قَالَ تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْـمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوَّاً كَبِيرَاً﴾. فَرُؤْيَةُ المَلَائِكَةِ في الدُّنْيَا لَا تَكُونُ لِبَشَرٍ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَبِيَّاً.
أَمَّا إِذَا تَمَثَّلَتِ المَلَائِكَةُ بِصُورَةِ بَشَرٍ فَإِنَّ البَشَرَ يَسْتَطِيعُونَ رُؤْيَتَهُمْ، وَهَذَا مَا ثَبَتَ في القُرْآنِ العَظِيمِ، وفي السُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ، قَالَ تعالى: ﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَـشَرَاً سَوِيَّاً * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيَّاً * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامَاً زَكِيَّاً﴾.
وفي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ، شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ.
ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا عُمَرُ، أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟».
قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: «فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ، أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ».
وبناء على ذلك:
فَرُؤْيَةُ المَلَائِكَةِ على الصُّورَةِ الحَقِيقِيَّةِ في الدُّنْيَا للـبَشَرِ بِشَكْلٍ عَامٍّ لَا تَكُونُ إِلَّا للأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؛ أَمَّا إِذَا تَمَثَّلَتِ المَلَائِكَةُ على هَيْئَةِ الـبَشَرِ، فَإِنَّ الـبَشَرَ يَرَوْنَهُمْ. هذا، والله تعالى أعلم.
---
حرر بتاريخ: 06.11.2016
المصدر:
https://www.naasan.net/index.php?page=YWR2aXNvcnk=&op=ZGlzcGxheV9hZHZpc29yeV9kZXRhaWxzX3U=&advisory_id=NzY4Mg==&lan=YXI=
