الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَهَذَا اليَمِينُ يُسَمَّى غَمُوسَاً، أَيْ: يَغْمِسُ صَاحِبَهُ في الإِثْمِ وَالنَّارِ يَوْمَ القِيَامةِ، وَهُوَ حَرَامٌ، وَفَاعِلُهُ آثِمٌ يَلْقَى اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانٌ، للحديث الذي رواه الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَلَفَ يَمِينَ صَبْرٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَقِيَ اللهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ».
وَنَزَلَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنَاً قَلِيلَاً أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
وَلَو فَكَّرَ المُسْلِمُ الذي يَحْلِفُ يَمِينَاً وَهُوَ فِيهَا كَاذِبٌ في هَذِهِ الآيَةِ لَمَا تَجَرَّأَ أَنْ يَحْلِفَ يَمِينَاً كَاذِبَاً، لِأَنَّ عُقَوبَتَهُ في هَذِهِ الآيَةِ بِالشَّكْلِ التَّالِي:
أولاً: ﴿لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ﴾. أَيْ: لَا نَصِيبَ لَهُمْ في الآخِرَةِ وَنَعِيمِهَا.
ثانياً: ﴿وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ﴾. أَيْ: لَا يُكَلِّمُهُمْ كَلَامَاً يَنْفَعُهُمْ.
ثالثاً: ﴿وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ﴾. أَيْ: لَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ بِالإِحْسَانِ.
رابعاً: ﴿وَلَا يُزَكِّيهِمْ﴾. أَيْ: لَا يُطَهِّرُهُمْ مِنْ دَنَسِ ذُنُوبِهِمْ.
خامساً: ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. وَالعَذَابُ علَى قَدْرِ المُعَذِّبِ، وَالعِيَاذُ بِاللِه تعالى.
هَذَا الوَعِيدُ في الآيَةِ لِمَنْ حَلَفَ يَمِينَاً كَاذِبَاً وَمَاتَ بِدُونِ تَوْبَةٍ، وَلَكِنْ وَللهِ الحَمْدُ الذي فَتَحَ بَابَ التَّوْبَةِ، فَمَنْ حَلَفَ يَمِينَاً كَاذِبَاً، وَتَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ اليَمِينِ ضَيَاعُ حُقُوقٍ، أَو خَرَابُ بُيُوتٍ، أَو أَكْلُ أَمْوَالٍ، فَعَلَى التَّائِبِ أَنْ يُعِيدَ الحُقُوقَ لِأَصْحَابِهَا حَتَّى تُقْبَلَ تَوْبَتُهُ، وَإِلَّا فَلَا.
أَمَّا تَرْتِيبُ الكَفَّارَةِ عَلَى هَذَا اليَمِينِ، فَعِنْدَ الأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا، وَإِنَّمَا كَفَّارَتُهَا التَّوْبَةُ النَّصُوحُ كَمَا ذَكَرْنَا.
أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَإِنَّهُ مَعَ التَّوْبَةِ يُطْعِمُ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ الطَّعَامِ، أَو كِسْوَتُهُمْ، أَو تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجِدُ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. هذا، والله تعالى أعلم.
---
حرر بتاريخ: 20.03.2007
المصدر:
https://www.naasan.net/index.php?page=YWR2aXNvcnk=&op=ZGlzcGxheV9hZHZpc29yeV9kZXRhaWxzX3U=&advisory_id=MjE1&lan=YXI=