الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
اتفق فقهاء المذاهب الأربعة على أن الواجب على المرأة التي توفي عنها زوجها أن تعتدّ في منزل الزوجية التي جاء نعي زوجها وهي مقيمة فيه، سواء كان المنزل ملكاً لزوجها أو مستأجراً، ودليل ذلك قول الله عز وجل: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1].
وأيضاً يدلّ عليه حديث الفريعة بنت مالك -وهي أخت أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما -أنها قتل زوجها فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن ترجع إلى أهلها؛ لأن زوجها لم يترك لها منزلاً يملكه ولا نفقة، فلم يقبل صلى الله عليه وسلم عذرها، وقال: (امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ. قَالَتْ: فَاعْتَدَدْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) رواه أبو داود.
وتستحق المرأة المتوفى عنها زوجها أجرة سكن الزوجية الذي كانت فيه مِن تركة زوجها، حتى تنقضي عدتها، وذلك التزاماً بحكم الشريعة ببقائها في هذا المنزل، كما ذهب إليه بعض الفقهاء من أن لها حق السكنى.
ولذلك فالواجب على المرأة المتوفى عنها زوجها البقاء في منزل الزوجية الذي وصل لها نعي زوجها فيه، أينما كان هذا المنزل، واجتناب السفر أثناء العدة؛ لأنها غير مضطرة لذلك...، فقد اتفق الفقهاء أيضاً على تحريم سفر المرأة أثناء عدتها، ولكن إن لم يكن لزوجها تركة لدفع أجرة المنزل المستأجر، أو كانت لا تأمن على نفسها أو مالها في مكان إقامتها المؤقت، أو كانت القوانين في البلد الذي تقيم فيه حالياً تمنع إقامتها طيلة مدة العدة، فلا حرج عليها حينئذٍ أن ترجع إلى بلدها ولو تطلّب ذلك سفراً طويلاً دون محرم معها.
يقول الخطيب الشربيني رحمه الله: "تُسكن: أي المعتدة حتما في مسكن مستحق للزوج لائق بها كانت فيه عند الفرقة بموت أو غيره للآية وحديث فريعة السابقين، وليس للزوج وغيره إخراجها، ولا لها خروج منه وإن رضي به الزوج إلا لعذر كما سيأتي؛ لأن في العدة حق الله تعالى، والحق الذي لله تعالى لا يسقط بالتراضي، وقد قال تعالى: {لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن} [الطلاق: 1]...، وتنتقل المعتدة من المسكن الذي كانت فيه عند الفرقة لعذر، وذلك لخوف من هدم أو غرق على مالها أو ولدها أو لخوف على نفسها تلفاً أو فاحشة للضرورة الداعية إلى ذلك، ولما روى أبو داود «عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: كانت فاطمة بنت قيس في مكان وحش مخيف فلذلك رخص لها النبي صلى الله عليه وسلم» أي في الخروج منه أو تأذت بالجيران بكسر الجيم أو هم بها أذى شديداً، والله أعلم للحاجة إلى ذلك" [مغني المحتاج 5/ 107].
وعليه؛ وفي الحالة الواردة في السؤال إن تمكنت المعتدة من إكمال العدة في تركيا في البيت المستأجر من قبل الزوج، وكانت تأمن على نفسها ومالها ولم تستوحش ببقائها لوحدها في هذا البيت، ولم تمانع القوانين إقامتها، فيجب عليها البقاء، وإلا فيباح لها السفر لإكمال عدتها في منزل الزوجية في بلدهم. والله تعالى أعلم.
---
حرر بتاريخ: 27.09.2021
المصدر:
http://www.aliftaa.jo/Question.aspx?QuestionId=3647