الحمد لله وصلى الله وسلّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
إذا كان في هذا الإطلاق للبصر استخفاف بأحكام الله أو فيه دعوة للغير إلى المخالفة والمعصية فهو من المجاهرة المنهي عنها، لأن فيه تجرّأ على الأحكام والمعاصي وحين يسترسل الناس في النظر إلى المخالفات يستهين بعضهم بسبب بعض ويتجرّؤون على المعصية، وإذا غلب على المجتمع الالتزام صارت المخالفة غريبة وصاحبها شاذ يستحي من إظهارها أو أن يراه أحد عليها..ولذلك أنت ترى الفسق والفجور بأنواعه في بلاد الكفر دون أي رادع، لأن الناس غلب عليهم الفسق والعصيان وانتهاك حرمات الله، فإذا تساهل المجتمع المسلم بأحكام الشريعة انجرف خلف الفجرة والعياذ بالله، نسأل الله العافية والسلامة لنا ولكم..
وقد روى الشَّيْخَانِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (كل أمتِي معافى إِلَّا المجاهرين، وَإِن من المجاهرة أَن يعْمل الرجل بِاللَّيْلِ عملا ثمَّ يصبح وَقد ستر الله تَعَالَى عَلَيْهِ فَيَقُول: يَا فلَان عملت البارحة كَذَا وَكَذَا، وَقد بَات يستره ربه وَهُوَ يصبح يكْشف ستر الله عَنهُ)
قال الإمام الجليل محي الدين النووي رحمه الله تعالى:
هُمُ الَّذِينَ جَاهَرُوا بِمَعَاصِيهِمْ وَأَظْهَرُوهَا وَكَشَفُوا مَا سَتَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فَيَتَحَدَّثُونَ بِهَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا حَاجَةٍ.. شرح النووي على مسلم (18/ 119)
وقال الإمام أحمد ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى: قال بن بطال في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله وبصالحي المؤمنين وفيه ضرب من العناد لهم وفي الستر بها السلامة من الاستخفاف لأن المعاصي تذل أهلها ومن إقامة الحد عليه إن كان فيه حد ومن التعزير إن لم يوجب حدا وإذا تمحض حق الله فهو أكرم الأكرمين ورحمته سبقت غضبه فلذلك إذا ستره في الدنيا لم يفضحه في الآخرة والذي يجاهر يفوته جميع ذلك..فتح الباري لابن حجر (10/ 487)
وقال الإمام زين الدين عبد الرؤوف المناوي رحمه الله تعالى: " والمراد الذي يجاهد بعضهم بعضا بالتحدث بالمعاصي وجعل منه ابن جماعة إفشاء ما يكون بين الزوجين من المباح ويؤيده الخبر المشهور في الوعيد عليه (وإن من الجهار) أي الإظهار والإذاعة (أن يعمل الرجل بالليل عملا) مسيئا (ثم يصبح) أي يدخل في الصباح (وقد ستره الله فيقول عملت البارحة) هي أقرب ليلة مضت من وقت القول من برح زال (كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه) بإشهار ذنبه في الملأ وذلك خيانة منه على ستر الله الذي أسدله عليه وتحريك لرغبة الشر فيمن أسمعه أو أشهده فهما جنايتان انضمتا إلى جنايته فتغلظت به فإن انضاف إلى ذلك الترغيب للغير فيه والحمل عليه صارت جناية رابعة وتفاحش الأمر...لأن من صفات الله ونعمه إظهار الجميل وستر القبيح فالإظهار كفران لهذه النعمة وتهاون بستر الله قال النووي: فيكره لمن ابتلي بمعصية أن يخبر غيره بها بل يقلع ويندم ويعزم أن لا يعود فإن أخبر بها شيخه أو نحوه مما يرجو بإخباره أن يعلمه مخرجا منها أو ما يسلم به من الوقوع في مثلها أو يعرفه السبب الذي أوقعه فيها أو يدعو له أو نحو ذلك فهو حسن، وإنما يكره لانتفاء المصلحة وقال الغزالي: الكشف المذموم إذا وقع على وجه المجاهرة والاستهزاء لا على السؤال والاستفتاء بدليل خبر من واقع امراته في رمضان فجاء فأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليه. فيض القدير (5/ 11)
نسأل الله أن يحفظنا وإياكم ويكرمنا بما يحب ويرضى.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.